سورة فصلت - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


{وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46)} [فصلت: 41/ 44- 46].
هذه الآية الكريمة نزلت بسبب تخليط قريش في أقوالهم، من أجل الحروف المعرّبة في القرآن من كلام العجم، كالسّجين والإستبرق ونحوه، فقال اللّه عز وجل: ولو جعلنا هذا القرآن أعجميا (أي كلاما لا يبين ولا يفهم ولا يفهم ولا يفصح) لقالوا واعترضوا: لولا بيّنت آياته بلغتنا حتى نفهمها.
وهذا غير صحيح، فهل يصح أن يكون هذا القرآن العربي بعضه عربيا، وبعضه أعجميا؟ هذا لا يحسن، وإنما المقصود الدلالة على أن مشركي قريش قوم متعنتون، محاربون للقرآن، بأي لغة أو صفة كان عليها. والواقع أن جميع ما في القرآن عربي، إذا أرادوا الفهم والإفادة منه، ولو نزل بلغة أعجمية لأنكروا ذلك، وغاية القرآن: أن تقول أيها الرسول لقومك المشركين: إنه هداية من الظلمات إلى النور لقلب من آمن به، وشفاء لما في الصدور من الشكوك والرّيب، كما جاء في آية أخرى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 17/ 82].
وبعبارة أخرى: أمر اللّه تعالى نبيه أن يقول لهم: إن هذا القرآن هدى وشفاء للمؤمنين المبصرين للحقائق، وإنه عمى على الذين لا يصدقون بالله ورسوله، ولا يقلّبون أنظارهم في مصنوعات الخالق، أي إنه معمّى عليهم، فعلى أعينهم غشاوة، وفي آذانهم صمم أو ثقل في السمع، وعلى قلوبهم أقفال، وهذا من قبيل المجاز المراد به أنهم لا يفهمون ما في القرآن، كالعميان والطرشان، ولا يهتدون إلى ما فيه من البيان ولا يبصرون ما اشتمل عليه من البراهين والمواعظ، لتعطيلهم سبل المعرفة والإدراك.
ثم أكد اللّه تعالى على عدم استعدادهم لفهم القرآن، فإن حالهم كحال من ينادى من مسافة بعيدة، يسمع صوت من يناديه منها، ولا يفهم ما يقال له. وهذا أيضا استعارة، لقلة فهمهم، حيث شبّههم بالرجل، ينادى من مكان بعيد، يسمع منه الصوت، ولا تفهم تفاصيله ولا معانيه.
وهذا شأن مستمر بين الأمم المكذبة، فلا تستغرب أيها الرسول موقف قومك، فتلك عادة قديمة للأمم مع الرسل، فإنهم يختلفون في الكتب المنزلة عليهم، كما حدث من بني إسرائيل، فلقد أرسل اللّه موسى عليه السّلام وآتاه التوراة، فاختلفوا في كتابهم بين مصدّق ومكذّب، وشأنك أيها الرسول مع قريش، كشأن موسى مع بني إسرائيل، حين جاءهم بالتوراة، ولقد أخّر اللّه العذاب على الفريقين، ولولا الكلمة السابقة (وهي أن اللّه حتّم تأخير عذابهم إلى يوم القيامة) لقضي بينهم، أي لعجّل لهم العذاب، كما فعل بالأمم المكذبة السابقة، وسبب الهلاك قائم فيهم، فإن كفار قريش لفي شك من القرآن، موقع في الريبة والقلق، ولم يكن تكذيبهم للقرآن ناجما عن تبصر وتأمل، بل كانوا شاكّين فيه وفيما قالوا، غير متحققين لشيء كانوا فيه.
وقانون الجزاء الإلهي واضح، فمن عمل صالح الأعمال بأداء الفرائض واجتناب المعاصي، فإنما ينفع نفسه، ويجازى بخير عمله، ومن أساء فعصى اللّه تعالى، فإنما يرجع وبال ذلك عليه، ويعاقب بسوء عمله، والجزاء للفريقين قائم على أساس من الحق والعدل المطلق، فلا ينقص المحسن شيئا من ثوابه، ولا يعاقب أحد إلا بذنبه أو معصيته.
العلم بالساعة وطبيعة الإنسان:
هناك أمر خطير جدا، مرتقب لا شك فيه: وهو يوم القيامة، ولكن حكمة اللّه تعالى اقتضت تجهيله، فلا يعلم به أحد من المخلوقات، واختص اللّه تعالى وحده بعلم الساعة، كما اختص بالعلم بالأحداث المستقبلة، ليظل الإنسان رقيبا على نفسه، مهيمنا على شهواته، يعمل الخير حبا فيه، ويبتعد عن الشر كرها فيه لذاته، وطبع الإنسان غريب، لا يمل من طلب الخير، وييأس ويقنط من رحمة اللّه إن أصابه شر.
وفي حال النعمة والترف يبتعد عن اللّه تعالى الذي أمده بالنعم، ويهمل شكر ربه المنعم، ويزعم أن له المكان الحسن عند اللّه في الآخرة، وإذا أصابه الشر، أقبل على الدعاء، والتضرع لله سبحانه، وإذا تعرض لخير نسي اللّه ونأى عنه، فهو دائم الطمع، كثير التبدل والتغير، لا يستقر على حال، ولا يثبت على مبدأ، ولا وفاء عنده لمعروف، قال اللّه تعالى مبينا ذلك كله:


{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51)} [فصلت: 41/ 47- 51].
المعنى: إن علم وقت القيامة ومجيئها، يردّه كل مؤمن متكلّم فيه إلى اللّه عز وجل، لذا كان جواب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لجبريل عليه السّلام، في الحديث الصحيح المتفق عليه، عن عمر رضي اللّه عنه: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل».
وفي حديث آخر ثابت: «مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا اللّه: {إن اللّه عنده علم الساعة...}». الحديث، وهو وارد في آية: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 31/ 34].
وكذلك يعلم اللّه تعالى الثمار وخروجها من الأكمام (الأوعية) ووقت ظهورها تماما، ويعلم ما تحمل الإناث ووقت الحمل والوضع، وذلك أورده اللّه على سبيل المثال لجميع الأشياء، إذ كل شيء خفي، فهو في حكم هذين الشيئين. وهذا كله مجهول، لا يعلم به أقرب الناس من هذه الأشياء كالمزارع والزوج أو الأنثى. وما قد يقال: إنما هو من محض التخمين، لا من باب العلم بيقين.
ثم رد اللّه تعالى على المشركين لإبطال شركهم، فاذكر أيها الرسول يوم ينادي اللّه تعالى المشركين، في يوم القيامة، قائلا على سبيل التوبيخ والتهكم والتحدي: أين شركائي الذين كنتم تزعمون من الأصنام وغيرها، فادعوهم الآن للشفاعة بكم أو دفع العذاب عنكم؟ فيجيب هؤلاء المعبودون بغير حق: لقد أخبرناك وأعلمناك أن ليس أحد منا يشهد اليوم أن معك يا رب شريكا، ونحن لا نشاهدهم أمامنا، بل ضلوا واختفوا عنا، وذهبت تلك المعبودات من الأصنام وغيرها محتجبة في آفاق الغيبة عن العيون، وقد كانوا يعبدونهم في الدنيا، وتيقنوا الآن ألا مهرب لهم ولا ملجأ من عذاب اللّه. وهذا وعيد وتهديد. وقد استعمل الظن هنا مكان اليقين: وهو كل موضع علم علما قويا وتقرر في النفس ولم يلتبس بشيء.
ثم نزلت الآيات الآتية في بعض كفار مكة، كالوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة، ومضمونها: أن أولها يتضمن خلقا ربما شارك فيها بعض المؤمنين: وهو أنه لا يمل الإنسان من طلب الخير من ربه، كالمال والصحة والرفعة ونحوها، وإن أصابه الشر من بلاء وشدة، أو فقر أو مرض، كان شديد اليأس والقنوط من رحمة اللّه، وهذه الصفة الأخيرة (اليأس) من صفة الكافر وحده، والصفة الأولى (طلب الخير في الدنيا) صفة مشتركة، فأما خير الآخرة فهو للمؤمنين.
ثم ذكر اللّه تعالى ثلاث خصال أخرى للكافر أقبح مما قبلها: وهي أنه لئن آتاه اللّه الخير بتفريج كربه بعد شدة أصابته، كغنى بعد فقر، وصحة بعد مرض، وجاه بعد ذل، ليقولن: هذا شيء أستحقه على اللّه، لرضاه بعملي وجهدي، متناسيا فضل اللّه. والصفة الثانية: هي أنني لا أعتقد أن القيامة ستقوم، كما أخبر الرسل، فلا رجعة ولا حساب.
والصفة الثالثة: هي أنني إن أعدت إلى ربي- على سبيل الافتراض- فليحسنن إليّ ربي كما أحسن لي في هذه الدنيا، والحسنى: الكرامة والجنة، فأجيب بمفاجأة نقيض ظنه: لنخبرن هؤلاء الكفار يوم القيامة بما عملوا من المعاصي، ولنجازينهم بعذاب شديد صعب. والعيش بالأمل أو الأماني مذموم لكل أحد تارك الطاعة، جاء في الحديث: «الكيّس: من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز: من أتبع نفسه هواها، وتمنّى على اللّه الأماني».
ثم ذكر اللّه تعالى خلقا ذميما للإنسان جملة، وهو واضح في الكفار وهي أن اللّه تعالى إذا أنعم على الإنسان، أعرض عن الشكر والطاعة، واستكبر عن الانقياد لأوامر اللّه تعالى، وإذا تبدل الحال، وأصيب بشر، من بلاء وجهد، أو فقر أو مرض، أطال الدعاء والتضرع إلى اللّه تعالى، وهذا خلق ذميم يدل على العمل الانتهازي أو المصلحي المحض. وأما المؤمن في الغالب فإنه يشكر عند النعمة، ويصبر عند الشدة.
الاعلام العام بآيات اللّه:
إذا استبد الكفر والعناد ببعض الناس، لم يبق إلا أن يقهر على المعرفة، ويتحدى بالمحسوسات المشاهدة الدالة على الحق، والتي تستأصل كل ريب أو شك في النفس إذا استجاب لهذا الإقناع، ولذا حمل القرآن الكريم على المشركين الذين أغلقوا على أنفسهم نافذة الوصول إلى الحق والخير والهداية، فاستحقوا التهديد والوعيد، وكشف اللّه باطلهم، وأبان حقيقة أمرهم، وهي أنهم قوم يشكون في الآخرة، وما فيها من ثواب وعقاب وحساب عسير. وهذا ما أوضحته الآيات الآتية:


{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)} [فصلت: 41/ 52- 54].
أمر اللّه تعالى نبيه عليه الصلاة والسّلام أن يقف قريشا على هذه الحجة الدامغة، الصادرة من أنفسهم، فقل أيها الرسول: أرأيتم أي أخبروني إن كان هذا الشرع من عند اللّه وبأمره، ثم خالفتموه أنتم، ألستم على هلكة من اللّه تعالى؟ فلا أحد أضل ممن يبقى على هذه الحال من الغرور من اللّه، ومجافاة الحق، والوقوف في جانب المخالفة والمشاقّة، والمعاداة البعيدة المدى. وإن كان هذا القرآن من عند اللّه حقا، ثم كذبتم به، ولم تقبلوه، أفلا تكونون أعداء للحق والصواب؟ بل في الواقع لا أحد أضل منكم لشدة عداوتكم، وإمعانكم في الكفر والعناد، ومعاداة الحق وأهله.
فيكون الضمير في قوله تعالى {أَنَّهُ الْحَقُّ} عائدا على الشرع والقرآن.
ثم وعد اللّه تعالى نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بأنه سيري الكفار آياته، وهذا يدعو إلى التأمل والتفكر في تلك الآيات، إننا سنظهر لهم دلالات صدق القرآن، وعلامات كونه من عند اللّه، في أقطار السماوات والأرض والبلاد، وإبداع الأشياء، وفي خلق أنفس البشر، حتى يتضح الحق لكل ذي عينين.
وللمفسرين ثلاثة اتجاهات في إراءة آيات اللّه تعالى في الآفاق، فقال المنهال بن عمرو، والسّدّي وجماعة: هو وعد بما يفتحه اللّه تعالى على رسوله من الأقطار حول مكة، وفي غير ذلك من الأرض كخيبر ونحوها. ويكون قوله {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} أراد به فتح مكة. قال ابن عطية: هذا التأويل أرجح التأويلات.
وقال قتادة والضحاك: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ}: هو ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض. ويكون قوله {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} يوم بدر.
وقال ابن زيد وعطاء: الآفاق: آفاق السماء، وأراد به الآيات في الشمس والقمر والرياح وغير ذلك. وقوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِهِمْ}: يراد به اعتبار الإنسان بجسمه وحواسّه، وغريب خلقته، ومراحل تكوينه في البطن ونحو ذلك.
وهذا المعنى الثالث: هو الظاهر لعمومه وانسجامه مع سياق الآيات، فيراد من إراءة اللّه تعالى آياته في الآفاق: إقناعهم بقدرته وعظمته، وإلزامهم بالحجة المحسوسة الملجمة لهم، ليتبين الحق، ويظهر لهم أن القرآن هو الحق القاطع. وقد أيدت وصدقت القرآن وإشاراته تلك النظريات العلمية الصحيحة في المطر والسحاب، وغزو الفضاء، واكتشاف الكواكب وخزائن الأرض، وعجائب خلق الأجنة في الإناث، وغير ذلك وغير ذلك من الآيات الدالة على كمال القدرة الإلهية، وتمام الحكمة، وعجائب مصنوعات اللّه، حتى يظهر أن دين الحق هو ما اشتمل عليه كتاب الحق:
وهو القرآن العظيم.
وإذا لم يتأمل الناس ولا سيما العلماء بآفاق السماوات والأرض وأسرار الأنفس، كفى بالله شاهدا على أفعال عباده وأقوالهم، من الكفار وغيرهم، وكفى بالله شاهدا على صدق القرآن وأنه من عند اللّه.
ثم كشف اللّه تعالى سبب عناد المشركين: وهو أنهم في الواقع في شك خطير من أمر البعث والحساب، والثواب والعقاب، ولا قيمة لهذا الموقف المعادي، فإن اللّه تعالى أنذر وبشّر، وأبلغ وأقنع، وأحاط علمه بجميع المعلومات، وشملت قدرته جميع المقدورات، والمخلوقات كلها تحت قدرته وفي قبضته، والأحداث جميعها في تصرفه وعلمه وتدبيره، فبإظهار اللّه تعالى شرعه ودينه في كل مكان، وفتح البلاد للنبي عليه الصلاة والسّلام، يتبين لهم أنه الحق، وتوّج كل هذا بوعد اللّه تعالى نبيه عليه الصلاة والسّلام أنه كافيه وناصره ومدبر أموره كلها، وفي هذا الوعد بإحاطة اللّه لكل شيء: وعيد للكفار أيضا. وإحاطته تعالى: هي بالقدرة والسلطان، وقد تحقق الوعد والوعيد مع مرور الزمان.

1 | 2 | 3 | 4